كحال جميع الأمور في العالم سينتهي عصر محركات الوقود خلال سنوات، ليبدأ عصر السيارات الكهربائية بالازدهار. ففي السنوات القليلة الماضية أصبحت السيارات الهجينة والكهربائية ميسورة التكلفة وأكثر تقدماً وبوتيرة سريعة. وقد أدى ذلك إلى تقدم سريع بنفس القدر في تكنولوجيا البطاريات التي تعتمد عليها السيارات الكهربائية، مع الأخذ بعين الاعتبار الأهداف الرئيسية المتمثلة في تحسين السعة وأوقات الشحن والسلامة.
وأحد التطورات الرئيسية في هذا المجال هو ظهور بطاريات الحالة الصلبة Solid-State Batteries، والتي تعد بحل المشاكل والقيود التي تحملها بطاريات الليثيوم أيون الحالية.
ما هي بطاريات الليثيوم أيون؟
يتم تشغيل السيارات الكهربائية ببطاريات الليثيوم أيون منذ سنوات، وهي مماثلة لتلك المستخدمة في أجهزة الكمبيوتر المحمول والهواتف المحمولة وغيرها من الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية.
ويتم تصنيعها باستخدام إلكتروليت سائل بداخلها، مما يجعلها ثقيلة وعرضة لعدم الاستقرار في درجات الحرارة المرتفعة. ونظراً لأن كل مجموعة بطاريات فردية لا يمكنها توليد قدراً كبيراً من الطاقة بمفردها، فيجب ربط العديد منها معاً في سلسلة، مما يزيد من الوزن الكلي لحزمة البطاريات هذه. كما تشكل تكلفة هندسة وتصنيع وتركيب حزم البطاريات جزءاً كبيراً من التكلفة الإجمالية للسيارة الكهربائية.
تماما مثل الهاتف الخليوي، تحتاج بطاريات الليثيوم أيون في السيارات الكهربائية إلى إعادة الشحن. وتعتمد السرعة التي يمكن بها شحن بطاريات السيارة الكهربائية على السيارة نفسها، ونوع البطاريات التي تستخدمها، وعلى البنية التحتية للشحن.
بشكل عام، تقع محطات الشحن العامة ضمن فئتي المستوى 2 أو المستوى 3، وكلاهما يمكنهما شحن السيارة الكهربائية بشكل أسرع بكثير من أي منفذ منزلي قياسي. توفر شواحن المستوى 1 والمستوى 2 الطاقة للشاحن عبر طاقة التيار المتردد AC، والتي يتم تحويلها إلى طاقة تيار مستمر DC لشحن البطارية.
أما المستوى 3، والذي يمكن أن يسمى أيضاً DC Fast Charging (الشحن السريع بالتيار المستمر)، فيتجاوز المولد الموجود على اللوحة وبدلاً من ذلك يقوم بشحن البطارية مباشرة وبمعدل أسرع بكثير. ومع ذلك، بمرور الوقت، تتدهور سعة البطارية وقدرتها على الوصول إلى معدلات الشحن القصوى.
ما هو الاختلاف في بطاريات الحالة الصلبة؟
تعمل بطاريات الحالة الصلبة، كما يوحي اسمها، على التخلص من الإلكتروليت السائل الثقيل الموجود داخل بطاريات أيونات الليثيوم. لتعتمد بديلاً هو إلكتروليت صلب، والذي يمكن أن يأتي على شكل زجاج أو سيراميك أو مواد أخرى. يشبه الهيكل العام لبطارية الحالة الصلبة تماماً بطاريات الليثيوم أيون التقليدية، ولكن دون الحاجة إلى سائل، كما يمكن أن تكون البطاريات أكثر كثافة وأصغر حجماً.
ومن دون الغوص بعمق في أعمالها الداخلية، تستهلك بطاريات الحالة الصلبة الطاقة وتعيد شحنها بنفس الطريقة التي تفعلها وحدات أيونات الليثيوم التقليدية.
بطاريات الحالة الصلبة ليست شيئاً جديداً بحد ذاتها، ولكن استخدامها في مثل هذه التطبيقات الثقيلة، كما هو الحال في السيارات، هو الأمر الجديد. حيث تم استخدامها لسنوات في الأجهزة الالكترونية الصغيرة مثل أجهزة تنظيم ضربات القلب، والأجهزة القابلة للارتداء، وأجهزة المعرفات الراديوية RFID.
أما بالنسبة للتوقعات المحيطة بقدرة بطاريات الحالة الصلبة على تحسين السيارات الكهربائية بشكل كبير فهي مرتفعة للغاية. حيث يجب أن يحقق استخدام هذه البطاريات توفيراً في المساحة نظراً لصغر حجمها مقارنة ببطاريات الليثيوم التقليدية. ففي نفس المساحة التي تحتاجها بطارية الليثيوم أيون أسفل السيارة، يجب أن تتمتع بطارية الحالة الصلبة بسعة تتراوح بين ضعفين إلى 10 أضعاف. كما أن طبيعتها التي لا تحتاج إلى جميع أنظمة المراقبة والتحكم والتبريد التي تحتاجها بطاريات الليثيوم أيون لتعمل بشكل صحيح تعني وجود مساحة أكبر في هيكل السيارة لوضع البطارية مع تداخل أقل في المساحة التي يشغلها عادة الركاب أو المكونات الميكانيكية.
لذلك فإن التحسن الكبير في كثافة الطاقة وانخفاض الوزن نتيجة إزالة المكون السائل للبطارية من شأنه أن يحسن المدى في السيارات الكهربائية إلى درجة عالية. كما يجب أن يتم شحن بطاريات الحالة الصلبة بشكل أسرع أيضاً، على الأقل من الناحية النظرية.
وتَعِد بطاريات الحالة الصلبة أيضاً بأن تكون أكثر أمانًا وأكثر متانة على المدى الطويل. عند تلفها أو تعرضها للخطر، يمكن أن تواجه بطاريات الليثيوم أيون ما يعرف بالانفلات الحراري، والذي يحدث عندما تؤدي زيادة درجة حرارة إحدى خلايا البطارية إلى تفاعل مماثل مع خلايا البطارية الأخرى. في بعض الأحيان، تتوقف هذه العملية من تلقاء نفسها داخل حزمة البطارية، ولكن في أحيان أخرى قد يؤدي رد الفعل الكبير إلى نشوب حريق.
وباعتبار أن السائل المستخدم في بطاريات ليثيوم أيون الحالية قابلاً للاشتعال، فإن حرائق البطاريات خطيرة للغاية وسامة كما أن عملية إطفاء حريق البطارية يستغرق وقتاً وفي بعض الأحيان آلاف الجالونات من الماء. أما بطاريات الحالة الصلبة فهي قادرة على تجنب هذه المشكلة دون وجود سائل قابل للاشتعال بداخلها.
وبعيداً عن احتمال التسبب في نشوب حريق، فإن الإلكتروليتات السائلة الموجودة داخل بطاريات الليثيوم أيون لا تعتبر جيدة بشكل خاص على المدى الطويل. حيث أنه بمرور الوقت، يمكن للمركّبات الموجودة في السائل أن تؤدي إلى تآكل مكونات البطارية الداخلية ويمكن أن تتعرض للتحلل أو تراكم المواد الصلبة بداخلها، وكلاهما يؤدي إلى تدهور سعة البطارية والأداء العام.
لماذا لا تتواجد إذاً بطاريات الحالة الصلبة في جميع السيارات الكهربائية اليوم؟
تمامًا مثل التقنيات الناشئة الأخرى، تعد بطاريات الحالة الصلبة باهظة الثمن، وهو ما يرجع جزئياً إلى تكاليف التطوير، ولكنه يرتبط أيضاً بشكل كبير بحقيقة صعوبة تصنيعها على نطاق واسع. فأمام شركات صناعة السيارات ومصنعي البطاريات أيضاً المزيد من العمل للقيام به قبل أن تصبح بطاريات الحالة الصلبة جاهزة للاستخدام على نطاق واسع. وعلى الرغم من فوائدها مقارنة بالسوائل، إلا أن الإلكتروليتات الصلبة تمثل صعوبات في إيجاد التوازن الصحيح للمواد لتوفير ما يكفي من الطاقة لتشغيل المحرك الكهربائي للسيارة.
ولا تزال بطاريات الحالة الصلبة قيد التطوير حتى الآن. تهدف تويوتا إلى بيع أول سيارة كهربائية تعمل ببطارية الحالة الصلبة قبل عام 2030، في حين تعمل العديد من شركات صناعة السيارات الأخرى في شراكة مع شركات إنتاج البطاريات في مشاريعها الخاصة. والجدير بالذكر أن فولكس فاجن تعمل بالشراكة مع شركة QuantumScape، وهي شركة مقرها كاليفورنيا وتأمل في دفع بطارياتها إلى الاستخدام التجاري بحلول عام 2024.
