لم تُخفِ فيراري يوماً تقديرها العميق لفلسفة التصميم، إلا أن طراز أمالفي يرفع مفهوم النقاء النحتي إلى مستوى محوري في عملية التطوير. فباعتباره الخليفة المباشر لطراز روما، لم يبدأ أمالفي كسيارة بالمعنى التقليدي، بل كنموذج يُعرف لدى مصممي فيراري باسم “شكل السرعة”، وهو مجسّم نقي يخلو من أي عناصر وظيفية مثل الشبك الأمامي أو وحدات الإضاءة أو المرايا، ليجسّد الجوهر البصري للسيارة في أبسط صوره. وبعد اكتمال هذا الشكل الأساسي، جرى دمج العناصر الضرورية للتهوية والإضاءة بأسلوب بالغ الدقة، حفاظاً على انسيابية الخطوط وعدم تشويه الكتلة العامة.
ولا تقتصر هذه الفلسفة على التصميم الخارجي فحسب، بل تنعكس بوضوح على تجربة القيادة. إذ يجمع أمالفي بين الأداء القوي الذي يُتوقع من سيارة فيراري حديثة، بفضل محركه V8 مزدوج الشحن التوربيني، وبين شخصية هادئة ومتزنة تجعل منه سيارة سياحية فاخرة قادرة على قطع المسافات الطويلة براحة تامة. ورغم ارتباطه الوثيق بطراز روما، فإن أمالفي لا يعيد اختراع المفهوم بقدر ما يقوم بصقله وتحسينه، مع استجابة أدق دون التخلي عن طابعه الأرستقراطي.
ويبرز هذا التطور بشكل واضح في نظام التوجيه. فقد اعتمدت فيراري عجلة قيادة أنحف من المعتاد، مكسوة بجلد فاخر، في ابتعاد واضح عن العجلات السميكة التي أصبحت شائعة في السيارات الرياضية الحديثة. والأهم من ذلك هو عودة الأزرار الفيزيائية إلى عجلة القيادة، بما في ذلك زر تشغيل المحرك ومفتاح اختيار أنماط القيادة، ما يعزز سهولة الاستخدام ويتيح للسائق إجراء التعديلات دون تشتيت انتباهه عن الطريق.
أما الإحساس بالتوجيه فهو من أبرز نقاط القوة في أمالفي. إذ يتميز النظام بخفة استثنائية في الجهد، مع دقة عالية وتواصل مباشر مع الطريق. ويتيح التوجيه السريع إدخال السيارة إلى المنعطفات بحركات بسيطة، ما يمنحها شعوراً بالرشاقة والاستجابة الفورية دون أن تصبح عصبية على السرعات العالية. وعلى الطرق السريعة، تحافظ السيارة على ثباتها بثقة، وتقطع المسافات بسرعة وسلاسة مع مجهود ضئيل من السائق.
ويتكامل هذا الأداء مع هيكل متوازن مزوّد بمخمدات تكيفية مغناطيسية. ففي وضعية الراحة، يتعامل أمالفي بسلاسة مع عيوب الطريق، بينما توفر وضعيّتا سبورت وريس تحكماً أكبر بحركة الهيكل دون التأثير سلباً على جودة الركوب. كما تسمح خاصية “الطريق غير المستوي” بتليين استجابة المخمدات حتى في أوضاع القيادة الرياضية، ما يمنح السيارة قدرة إضافية على التعامل مع الطرق الوعرة نسبياً.
ويمنح أمالفي إحساساً بالثبات والمتعة في آنٍ واحد، حيث تسمح أوضاع القيادة الرياضية بحركة خلفية محسوبة دون فقدان السيطرة. ويلعب نظام التحكم بالانزلاق الجانبي من فيراري دوراً محورياً في ذلك، إذ يتدخل بشكل ذكي لتعزيز ثقة السائق. ويعمل هذا النظام بالتوازي مع جناح خلفي نشط يتبدل تلقائياً بين ثلاث وضعيات لتحسين الاستقرار الديناميكي الهوائي.
ويعتمد أمالفي على محرك V8 بسعة 3.9 لتر مزوّد بشاحنين توربينيين، يولد قوة تبلغ 631 حصاناً وعزم دوران يصل إلى 760 نيوتن متر عند 3,000 دورة في الدقيقة. ويمثل ذلك تحسناً طفيفاً مقارنة بروما، ورغم غياب الطابع الدرامي لمحركات V12 التقليدية، فإن الأداء يبقى قوياً ومتواصلاً. وتؤكد فيراري أن السيارة تنطلق من 0 إلى 100 كم/س في نحو 3.0 ثوانٍ، وهو رقم لا يزال مثيراً للإعجاب حتى في عصر السيارات الكهربائية عالية الأداء.
وعلى الطرق الجبلية الضيقة، يبدو أداء أمالفي وفيراً دون عناء. فاستجابة دواسة الوقود فورية، ويتفاعل ناقل الحركة ثنائي القابض بثماني سرعات بسرعة وحزم مع أوامر السائق في جميع أوضاع القيادة. وحتى عند الضغط الكامل على دواسة الوقود فوق الأسطح الرطبة، تحافظ السيارة على تماسكها بدرجة كبيرة، ما يؤكد أن كونها الأقل قوة في تشكيلة فيراري الحالية لا يقلل من قدراتها، إذ لا تزال تضاهي بعض الطرازات الأسطورية السابقة من حيث القوة.
وعلى السرعات المنخفضة، يبقى صوت المحرك متحفظاً، لكنه يتحول إلى نغمة قوية وأنيقة عند تجاوز 5,000 دورة في الدقيقة، بما يتناسب مع شخصية السيارة السياحية الراقية. كما يثبت ناقل الحركة كفاءته في القيادة داخل المدن، حيث ينفذ تبديلات سلسة في وضعية الراحة دون تردد عند الحاجة إلى تسارع إضافي.
أما نظام الكبح، فيستفيد من تقنية الكبح الإلكتروني “باي واير” مع مكابح كربون-سيراميك قياسية، ويوفر دواسة ذات إحساس صلب ومسافة حركة قصيرة، ما يضمن قدرة توقف قوية ومتسقة حتى من السرعات العالية.
وفي المقصورة، أعادت فيراري تصميم البيئة الداخلية لتصبح أكثر ترحيباً واتساعاً. فقد جرى اعتماد شاشة مركزية بقياس 10.3 بوصات بوضعية أفقية ومنخفضة في لوحة القيادة، ما يعزز الرؤية الخارجية ويبرز جودة المواد المستخدمة. كما أُعيد تصميم الكونسول الوسطي ليكون أكثر انخفاضاً مقارنة بروما، ما يضفي إحساساً بالرحابة، مع لمسات من الألمنيوم الأنيق.
ورغم أن دمج أنظمة التحكم بالمناخ داخل الشاشة قد لا يرضي جميع السائقين، فإن المقصورة عموماً تبدو متقنة وفاخرة. وتوفر المقاعد مستوى جيداً من الراحة، وإن كان من الممكن تحسين الدعم الجانبي وقوة وظيفة التدليك.
وعند طرحه في الأسواق، سيبدأ سعر أمالفي من نحو 266,800 دولار أمريكي، ليصبح بذلك الطراز الأقل سعراً في تشكيلة فيراري الحالية. ومع ذلك، فإنه يجسد القيم الأساسية للعلامة بكل وضوح، من رشاقة الهيكل ودقة التوجيه إلى الأداء القوي والتصميم الأنيق.
















