يشهد سوق السيارات العالمي تحولًا كبيرًا بسبب الارتفاع الهائل في صادرات السيارات الصينية، حيث تغزو هذه السيارات الأسواق الدولية بأسعار منخفضة وجودة متزايدة، وخاصة المركبات الكهربائية من شركات مثل BYD، مما أدى إلى اشتداد المنافسة واندلاع حرب أسعار عالمية. هذا التوسع في التصدير يأتي في وقت يعاني فيه السوق المحلي الصيني من فائض في الطاقة الإنتاجية وتنافس شديد.
حيث تعاني صناعة السيارات في الصين من فائض كبير في القدرة الإنتاجية. فعلى الرغم من وجود حوالي 70 شركة تصنيع سيارات نشطة، إلا أن 15% فقط منها وصلت إلى معدل استغلال للمصانع بنسبة 70% أو أكثر في عام 2023، وهو الحد الأدنى المقبول لضمان الاستدامة والربحية. بالمقابل، حافظت شركات كبرى مثل BYD وتسلا على معدلات استغلال مرتفعة، حيث وصلت تسلا إلى 96% وBYD تراوحت بين 80 و85%. كما دخلت شركة شاومي مجال السيارات الكهربائية بقوة، رغم أنها لم تبدأ التصدير بعد.
في المقابل، شهدت بعض المشاريع المشتركة الأجنبية داخل الصين، مثل SAIC-GM وGAC-Honda، تراجعًا ملحوظًا في معدلات الإنتاج. وبسبب التباطؤ في السوق المحلي، اتجه العديد من المصنعين الصينيين بقوة نحو التصدير، مما جعل الصين أكبر مصدر للسيارات في العالم، متجاوزة اليابان وألمانيا.
ويتضح حجم هذا الازدهار من خلال بيانات التجارة الحديثة. ففي الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، صدرت الصين سيارات بقيمة 2.7 مليار دولار إلى الإمارات العربية المتحدة، بزيادة قدرها 551% عن عام 2022. ومن أبرز المستوردين الآخرين المكسيك (2.4 مليار دولار) وروسيا (2.2 مليار دولار). وتشير التوقعات إلى أن شركات السيارات الصينية قد تستحوذ على 30% من المبيعات العالمية بحلول عام 2030، ارتفاعًا من 21% في عام 2024، لا سيما في الأسواق الناشئة مثل جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.
هذا التوسع السريع أثار قلق المصنعين العالميين التقليديين من تراجع الإيرادات وفقدان الوظائف وخسارة الحصص السوقية أمام السيارات الصينية المنافسة. ومع ذلك، فإن الشركات الصينية الأقوى فقط هي التي تنجح في التصدير. ووفقًا لشركة AlixPartners، بلغ متوسط معدل استغلال الطاقة الإنتاجية لأكبر خمسة مصدرين صينيين 57% في عام 2024، وهو أفضل من متوسط القطاع العام.
أما داخل الصين، فما تزال السوق تعاني من حرب أسعار بدأت أوائل 2023. وتتصدر BYD هذه الحرب، رغم كونها أكبر منتج في العالم للمركبات الكهربائية والهجينة القابلة للشحن، حيث خفضت أسعارها بنسبة 32% في المتوسط. ويعود ذلك لقدرتها على تصنيع البطاريات والرقائق داخليًا، مما يمنحها مرونة كبيرة لتخفيض التكاليف دون الإضرار بهوامش الربح.
الشركات الأخرى التي تحاول تقليد استراتيجية BYD تواجه صعوبات كبيرة. وحتى بعض الشركات القادرة على تحقيق أرباح قصيرة المدى، تختار التضحية بها مقابل التوسع. ويتوقع محللو HSBC استمرار الضغوط السعرية في صيف 2025، نظرًا لانخفاض الطلب وضعف الاستهلاك.
ومن اللافت أن تسلا اتخذت مسارًا معاكسًا، حيث رفعت أسعار سياراتها في الصين بنسبة 3.8% خلال العامين الماضيين، محافظةً على مكانتها كعلامة متميزة.
وفي الوقت ذاته، ما تزال عملية اندماج السوق الصيني المزدحم بالمصنعين غير مكتملة. فرغم خروج العديد من الشركات الناشئة بعد تقليص الدعم الحكومي منذ 2018، لا تزال شركات جديدة تدخل السوق. وحتى مايو 2025، كانت BYD تسيطر على 27% من سوق السيارات الكهربائية في الصين، في حين تتنافس حوالي 120 علامة تجارية على 37% فقط من السوق.
وتلعب الحكومات المحلية دورًا في إبطاء الاندماج، من خلال دعم بعض الشركات للحفاظ على الوظائف وتعزيز الاقتصادات المحلية. ويعتقد الخبراء أن الاندماج الحقيقي قادم، لكنه سيكون تدريجيًا، حيث إن صناعة السيارات تتطلب رأس مال ضخم وحجم إنتاج كبير. وفي نهاية المطاف، قد يقتصر السوق على حوالي اثني عشر مصنعًا رئيسيًا فقط. وحتى ذلك الحين، سيظل التنافس الشديد والتوسع في التصدير السمة المميزة لمستقبل صناعة السيارات الصينية وتأثيرها المتزايد على المشهد العالمي.
